كنت مسافرا ليلة الأربعاء إلى قريتي الصغيرة التي تبعد عن مقر عملي ... فما إن وصلت حتى رأيت تجمعا وأناس تذهب وأناس تأتي... عند احد المجاورين إلى قريتنا... وما إن وصلت حتى نقل إليَّ نبأ وفاته... رحمه الله ثم قمنا بالعزاء ... وجاءت صلاة الجمعة لينطلق الخطيب بكلمات تبكي عيون الموحدين عن حقيقة الدنيا وزيفها وعن من شغل بها عن ذكر ربه ثم قال أيها الأخوة توفي ليلة الثلاثاء واحد من جماعة هذا المسجد الذي نشهد بالله أنه كان من المحافظين على الصلاة جماعة وكان من السباقين إلى الصلاة ... ورجال الخير ( رحمه الله (إنه أخيكم ( فلان بن فلان(وقد طلب مني أبناءه أن أعلن بين يديكم من كان له عليه دين أو شيء من أمور الدنيا فهم مستعدون بالسداد كل ما عليه أن يتوجه إليهم فقط وأرتفع النشيج وظهر البكاء ... وزاد ذلك عندما بدأ الإمام في قراءة ) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين .... الآيات من البقرة )
انتهت الصلاة ... ولكن الأنفس لم تنته من حب الدنيا وطول الأمل حملت حقيبتي وعدت إلى مقر عملي ليلة الجمعة... وصليت المغرب في جامع الحي ... وصلى معنا أحد أعضاء المسجد الذين ما دخلت إلى صلاة إلا وهو مسند ظهره إلى جدار المسجد قد أدى السنة الراتبة ووضع نظارته على عينيه وحمل كتاب الله بين يديه وانطلق يرتل آياته ... وقد شهد له كثير بذلك وكان من أكثر الناس تبسما ومزاحا ومن أكثر خدام المسجد ومتابعي شؤونه خرجنا بعد مغرب الجمعة إلى بقالة بجانب المسجد وأخذت بعض أغراضي من البقالة ورأيته يحاسب صاحب المحل في دين كان لصاحب المحل عليه ويراجعه هذا بكذا وهذا بكذا ثم أعطاه حسابه وانصرف ولكن الفاجعة أيها الأحبة أن هذا الرجل الذي صليت أن وإياه البارحة صلاة المغرب معا أنني أصلي عليه هذه الليلة المغرب مع جماعة المسجد رحمه الله رحمة واسعة . .